زعم أن العهد في الآية كقول العرب: عَهِد الأمير إلى فلان بكذا؛ أي أمره به. أي لا يشفع إلا من أمره الله بالشفاعة. فهذا القول ليس صحيحًا في المراد بالآية وإن كان صحيحًا في نفسه. وقد دلت على صحته آيات من كتاب الله؛ كقوله تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإِذْنِهِ}، وقوله: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيئًا إلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (٢٦)}، وقوله:{وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} , وقوله:{يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} الآية. وقوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨)} الآيات، قد تكلمنا عليها وعلى الآيات التي بمعناها في القرآن في مواضع متعددة، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يذكر في القرآن لفظ عام ثم يصرح في بعض المواضع بدخول بعض أفراد ذلك العام فيه، وقد قدمنا أمثلة متعددة لذلك. فإذا علمت ذلك فاعلم أنه جل وعلا في هذه الآية الكريمة ذكر أنه سيجعل لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات ودًّا؛ أي محبة في قلوب عباده. وقد صرح في موضع آخر بدخول نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في هذا العموم، وذلك في قوله:{وَأَلْقَيتُ عَلَيكَ مَحَبَّةً مِنِّي} الآية. وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال يا جبريل إني أحب فلانًا فأحبه، قال: فيحبه جبريل،