ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن كلًا من الماضين المهلكين من قوم نوح، وعاد، وثمود، وأصحاب الرس، والقرون الكثيرة بين ذلك، أنه ضرب لكل منهم الأمثال؛ ليبين لهم الحق بضرب المثل؛ لأنه يصير به المعقول كالمحسوس، وأنه جلَّ وعلا تبر كلًا منهم تتبيرًا، أي: أهلكهم جميعًا إهلاكًا مستأصلًا. والتتبير الإِهلاك والتكسير، ومنه قوله تعالى: {وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (٧)} وقوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ} أي: باطل، وقوله تعالى: {وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (٢٨)} أي: هلاكًا.
وهذان الأمران المذكوران في هذه الآية الكريمة، وهما أنه جلَّ وعلا ضرب لكل منهم الأمثال، وأنه تبرهم كلهم تتبيرًا جاءا مذكورين في غير هذا الموضع.
أما ضربه الأمثال للكفار، فقد ذكره جلَّ وعلا في غير هذا الموضع، كقوله في سورة إبراهيم: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (٤٤) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (٤٥)}.
وأما تتبيره جميع الأمم؛ لتكذيبها رسلها، فقد جاء موضحًا في آيات كثيرة، كقوله تعالى في سورة الأعراف: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٩٥)} وقوله تعالى في سورة سبأ: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ