وأشار في آيات أخر إلى أنه ربح التجارة كقوله:{يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}؛ لأن الضرب في الأرض عبارة عن السفر للتجارة، فمعنى الآية يسافرون يطلبون ربح التجارة. وقوله تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} أي: بالبيع والتجارة بدليل قوله قبله: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} أي: فإذا انقضت صلاة الجمعة فاطلبوا الربح الذي كان محرما عليكم عند النداء لها.
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب أن غلبة إرادة المعنى المعين في القرآن تدل على أنه المراد؛ لأن الحمل على الغالب أولى، ولا خلاف بين العلماء في أن المراد بالفضل المذكور في الآية ربح التجارة، كما ذكرنا.
• قوله تعالى:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} لم يبين هنا المكان المأمور بالإفاضة منه المعبر عنه بلفظة حيث، التي هي كلمة تدل على المكان، كما تدل حين على الزمان. ولكنه بيَّن ذلك بقوله:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} الآية. وسبب نزولها أن قريشا كانوا يقفون يوم عرفة بالمزدلفة، ويقولون: نحن قطان بيت الله، ولا ينبغي لنا أن نخرج من الحرم؛ لأن عرفات خارج عن الحرم، وعامة الناس يقفون بعرفات، فأمر الله النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمسلمين، أن يفيضوا من حيث أفاض الناس، وهو عرفات، لا من المزدلفة كفعل قريش. وهذا هو مذهب جماهير العلماء، وحكى ابن جرير عليه الإجماع، وعليه فلفظة ثم للترتيب الذكري بمعنى عطف جملة على جملة، وترتيبها عليها في مطلق الذكر،