في الكلام حذف دل المقام عليه، وتقديره: قالوا حرقوه فرموه في النار، فلما فعلوا ذلك قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا. وقد بين في "الصافات" أنهم لما أرادوا أن يلقوه في النار بنوا له بنيانًا ليلقوه فيه.
وفي القصة: أنهم ألقوه من ذلك البنيان العالي بالمنجنيق بإشارة رجل من أعراب فارس (يعنون الأكراد)، وأن الله خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، قال تعالى: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧)}، والمفسرون يذكرون من شدة هذه النار وارتفاع لهبها، وكثرة حطبها شيئًا عظيمًا هائلًا. وذكروا عن نبي الله إبراهيم أنهم لما كتفوه مجردًا ورموه إلى النار، قال له جبريل: هل لك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، وأما الله فنعم! قال: لم لا تسأله؟ قال: علمه بحالي كاف عن سؤالي.
وما ذكره الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من أنه أمر النار بأمره الكوني القدري أن تكون بردًا وسلامًا على إبراهيم؛ يدل على أنه أنجاه من تلك النار؛ لأن قوله تعالى:{كُونِي بَرْدًا} يدل على سلامته من حرها. وقوله:{وَسَلَامًا}. يدل على سلامته من شر بردها الذي انقلبت الحرارة إليه. وإنجاؤه إياه منها الذي دل عليه أمره الكوني القدري هنا جاء مصرحًا به في "العنكبوت" في قوله تعالى: {فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ} وأشار إلى ذلك هنا بقوله: