وقد قدمنا أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (٨٩)} يدخل فيه من قال: مطرنا بنوء كذا، ومن قال: مطرنا بالبخار. يعني أن البحر يتصاعد منه بخار الماء، ثم يتجمع ثم ينزل على الأرض بمقتضى الطبيعة لا بفعل فاعل، وأن المطر منه، كما تقدم إيضاحه. فسبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.
المعنى: لو شئنا لخففنا عنك أعباء الرسالة، وبعثنا في كل قرية نذيرًا يتولى مشقة إنذارها عنك، أي: ولكننا اصطفيناك، وخصصناك بعموم الرسالة لجميع الناس؛ تعظيمًا لشأنك، ورفعًا من منزلتك، فقابل ذلك بالاجتهاد والتشدد التام في إبلاغ الرسالة، ولا تطع الكافرين. . . الآية.
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من اصطفائه - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة لجميع الناس، جاء موضحًا في آيات كثيرة، كقوله تعالى:{قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} وقوله: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} وقوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} الآية.
وقد قدمنا إيضاح هذا في أول هذه السورة الكريمة في الكلام على قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١)}.
وقوله:{فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} ذكره أيضًا في غير هذا