كقوله تعالى:{وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيكَ الْكِتَابُ إلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}، وقوله: {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}، وقد بينا الآيات الموضحة لذلك في الكهف والزخرف.
{عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢)} حذف فيه أحد المفعولين، والتحقيق أن المحذوف هو الأول لا الثاني كما ظنه الفخر الرازي، وقد رده عليه أبو حيان، والصواب هو ما ذكره من أن المحذوف الأول، وتقديره: علم النبيَّ القرآنَ. وقيل: جبريل. وقيل: الإنسان.
اعلم أولًا أن خلق الإنسان وتعليمه البيان من أعظم آيات الله الباهرة، كما أشار تعالى بذلك بقوله في أول النحل: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤)}، وقوله في آخر يس: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧)}.
فالإنسان بالأمس نطفة واليوم هو في غاية البيان وشدة الخصام، يجادل في ربه وينكر قدرته على البعث، فالمنافاة العظيمة التي بين النطفة وبين الإبانة في الخصام، مع أن الله خلقه من نطفة وجعله خصيمًا مبينًا، آيةٌ من آياته جل وعلا دالة على أنه المعبود وحده، وأن البعث من القبور حق.
وقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣)} لم يبين هنا أطوار خلقه للإنسان، ولكنه بينها في آيات أخر، كقوله تعالى في الفلاح: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤)}.