أظهر الأقوال عندي في معنى هذه الآية الكريمة: أن الكفار اقترحوا على عادتهم في التعنت آية على النبوة، كالعصا واليد من آيات موسى، وكناقة صالح، واقتراحهم لذلك بحرف التحضيض الدال على شدة الحض في طلب ذلك في قوله:{لَوْلَا يَأْتِينَا} أي هلا يأتينا محمد بآية كناقة صالح، وعصا موسى، أي نطلب ذلك منه بحض وحث. فأجابهم الله بقوله: {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٣٣)} وهي هذا القرآن العظيم؛ لأنه آية هي أعظم الآيات وأدلها على الإعجاز. وإنما عبر عن هذا القرآن العظيم بأنه بينة ما في الصحف الأولى؛ لأن القرآن برهان قاطع على صحة جميع الكتب المنزلة من الله تعالى، فهو بينة واضحة على صدقها وصحتها؛ كما قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيمِنًا عَلَيهِ}، وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦)}، وقال تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٣)} إلى غير ذلك من الآيات.