بهذا الشعر، فقال: واللَّه يا أمير المؤمنين ما شربتها قط، وما ذلك الشعر إلَّا شيء طفح على لساني، فقال عمر: أظن ذلك، ولكن واللَّه لا تعمل لي عملًا أبدًا، وقد قلت ما قلت، فلم يذكر أنه حده على الشراب، وقد ضمنه شعره؛ لأنهم يقولون ما لا يفعلون، ولكنه ذمه عمر ولامه على ذلك وعزله به. انتهى محل الغرض من كلام ابن كثير. وهذه القصة يستأنس بها لما ذكرنا.
وقد ذكر غير واحد من المؤرخين أن سليمان بن عبد الملك لما سمع قول الفرزذق:
فبتن بجانبي مصرعات ... وبت أفض أغلاق الختام
قال له: قد وجب عليك الحد، فقال الفرزدق: يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحد بقوله: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (٢٢٦)} فلم يحده مع إقراره بموجب الحد.
هذا الذي ذكره هنا عن الشعراء من أنهم يقولون ما لا يفعلون، بين في آية أخرى أنه من أسباب المقت عنده جلَّ وعلا، وذلك في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٣)} والمقت في لغة العرب: البغض الشديد، فقول الإِنسان ما لا يفعل كما ذكر عن الشعراء يبغضه الله وإن كان قوله ما لا يفعل فيه تفاوت. والعلم عند الله تعالى.