ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه أعلم بمن ضل عن سبيله، أي: زاغ عن طرق الصواب والحق، إلى طريق الكفر والضلال.
وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله في أول القلم: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨)} وقوله في الأنعام: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧)} وقوله في النجم: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (٣٠)} والآيات بمثل ذلك كثيرة جدًا.
والظاهر أن صيغة التفضيل التي هي:{أَعْلَمُ} في هذه الآيات يراد بها مطلق الوصف لا التفضيل؛ لأن الله لا يشاركه أحد في علم ما يصير إليه خلقه من شقاوة وسعادة، فهي كقول الشنفري:
وإن مُدَّت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
أي: لم أكن بعجلهم. وقول الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بني لنا ... بيتًا دعائمه أعزُّ وأطول