ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن فرعون -لعنه الله- لما رأى آيات الله ومعجزاته الباهرة، وادعى أنها سحر؛ أقسم ليأتين موسى بسحر مثل آيات الله التي يزعم هو أنها سحر. وقد بين في غير هذا الموضع: أن إتيانهم بالسحر وجمعهم السحرة كان عن اتفاق ملئهم على ذلك؛ كقوله في "الأعراف": {قَال الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (١١٠) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢)}، وقوله في "الشعراء": {قَال لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (٣٥) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧)}؛ لأن قوله:{فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} في الموضعين يدل على أن قول فرعون: {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ} وقع بعد مشاورة واتفاق الملأ منهم على ذلك.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن فرعون لما وعد موسى بأنه يأته بسحر مثل ما جاء به موسى في زعمه قال لموسى: {فَاجْعَلْ بَينَنَا وَبَينَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ} والإخلاف: عدم إنجاز الوعد. وقرر أن يكون مكان الاجتماع للمناظرة والمغالبة في السحر في زعمه مكانًا سوى. وأصح الأقوال في قوله:{سُوًى} على قراءة الكسر والضم: أنه مكان وسط تستوي أطراف البلد فيه؛ لتوسطه بينها، فلم يكن أقرب للشرق من الغرب، ولا للجنوب من الشمال. وهذا هو معنى قول المفسرين: {مَكَانًا سُوًى (٥٨)} أي: