وهذا الذي دلت عليه هذه الآيات المذكورة لا يعارضه قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩)} ولا قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} على القول بأن معنى تزكى تطهر من أدناس الكفر والمعاصي، لا على أن المراد بها خصوص زكاة الفطر. ووجه ذلك في قوله:(من زكاها) أنَّه لا يزكيها إلَّا بتوفيق الله وهدايته إياه للعمل الصالح، وقبوله منه.
وكذلك الأمر في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤)} كما لا يخفى.
والأظهر أن قوله:{مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ} الآية. جواب لولا التي تليه، خلافًا لمن زعم أنَّه جواب لولا في قوله: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (٢٠)} وقد تكرر في الآيات التي قبل هذه الآية حذف جواب لولا؛ لدلالة القرائن عليه.
نزلت هذه الآية الكريمة في أبي بكر رضي الله عنه، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، وكان مسطح المذكور من المهاجرين وهو فقير، وكانت أمه ابنة خالة أبي بكر رضي الله عنه، وكان أَبو بكر ينفق عليه لفقره وقرابته وهجرته، وكان ممن تكلم في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالإفك المذكور في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الآية، وهو ما رموها به من أنها فجرت مع صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه.
وقصة الإِفك معروفة مشهورة ثابتة في عشر آيات من هذه السورة الكريمة، وفي الأحاديث الصحاح، فلما نزلت براءة عائشة