وقوله في هذه الآية:{وَرَحْمَةً مِنَّا} أي لمن آمن به. ومن كفر به فلم يبتغ الرحمة لنفسه، كما قال تعالى في نبينا - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلْعَالمِينَ}، وقوله تعالى:{وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} أي: وكان وجود ذلك الغلام منك أمرًا مقضيًّا، أي مقدرًا في الأزل، مسطورًا في اللوح المحفوظ لابد من وقوعه، فهو واقع لا محالة.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن مريم حملت عيسى. فقوله:{فَحَمَلَتْهُ} أي: عيسى {فَانْتَبَذَتْ بِهِ} أي: تنحت به وبعدت معتزلة عن قومها {مَكَانًا قَصِيًّا (٢٢)} أي: في مكانٍ بعيد. والجمهور على أن المكان المذكور بيت لحم. وفيه أقوال أخر غير ذلك. وقوله:{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} أي: ألجأها الطلق إلى جذع النخلة، أي: جذع نخلة في ذلك المكان. والعرب تقول: جاء فلان، وأجاءه غيره: إذا حمله على المجيء، ومنه قول زهير:
وجار سار معتمدًا إلينا ... أجاءته المخافة والرجاء
وقول حسان رضي الله عنه:
إذ شددنا شدة صادقة ... فأجأناكم إلى سفح الجبل
والمخاض: الطلق، وهو وجع الولادة، وسمى مخاضًا من المخض، وهو الحركة الشديدة لشدة تحرك الجنين في بطنها إذا أراد الخروج.