يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} ظاهر في إكراههم على ذلك وعدم طواعيتهم، ومع هذا قال عنهم: {وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (٢٠)} فدل ذلك على أن ذلك الإكراه ليس بعذر. ويشهد لهذا المعنى حديث طارق بن شهاب في الذي دخل النَّار في ذباب قرَّبه مع الإكراه بالخوف من القتل؛ لأنَّ صاحبه الذي امتنع أن يقرب ولو ذبابًا قتلوه.
ويشهد له أيضًا دليل الخطاب؛ أي مفهوم المخالفة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". فإنَّه يفهم من قوله:"تجاوز لي عن أمتي" أن غير أمته من الأمم لم يتجاوز لهم عن ذلك. وهذا الحديث وإن أعله الإمام أحمد وابن أبي حاتم فقد تلقاه العلماء قديمًا وحديثًا بالقبول، وله شواهد ثابتة في القرآن العظيم والسنة الصحيحة. وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في سورة "الكهف"، في الكلام على قوله:{إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ .. } الآية؛ ولذلك اختصرناها هنا. أما هذه الأمة فقد صرح الله تعالى بعذرهم بالإكراه في قوله:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} والعلم عند الله تعالى.
لم يبين الله هنا من هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم، هل هم من المسلمين، أو من الكفار؟ وذكر ابن جرير وغيره فيهم قولين: أحدهما: أنهم كفار. والثَّاني: أنهم مسلمون، وهي قولهم: