فأتى فيه بصيغة الجمع، ثم راعى اللفظ بعد ذلك في قوله:{قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا}.
وقوله:{أَنْ يَفْقَهُوهُ} فيه وفي كل ما يشابهه من الألفاظ وجهان معروفان لعلماء التفسير: أحدهما: أن المعنى جعلنا على قلوبهم أكنة لئلا يفقهوه. وعليه فلا النافية محذوفة دل المقام عليها. وعلى هذا القول هنا اقتصر ابن جرير الطبري. والثاني: أن المعنى جعلنا على قلوبهم أكنة كراهة أن يفقهوه، وعلى هذا فالكلام على تقدير مضاف، وأمثال هذه الآية في القرآن كثيرة. وللعلماء في كلها الوجهان المذكوران كقوله تعالى:{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} أي لئلا تضلوا، أو كراهة أن تضلوا. وقوله:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالةٍ}، أو كراهة أن تصيبوا، وأمثال ذلك كثيرة في القرآن العظيم.
وقوله تعالى:{أَنْ يَفْقَهُوهُ}. فالفقه: الفهم، ومنه قوله تعالى: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (٧٨)} أي يفهمونه، وقوله تعالى:{قَالُوا يَاشُعَيبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} أي ما نفهمه. والوقر: الثقل. وقال الجوهري في صحاحه: الوَقْر -بالفتح-: الثقل في الأذن. والوِقْر -بالكسر-: الحمل، يقال جاء يحمل وقره، وأوقر بعيره. وأكثر ما يستعمل الوقر في حمل البغل والحمار اهـ. وهذا الذي ذكره الجوهري وغيره جاء به القرآن، قال في ثقل الأذن:{وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا}، وقال في الحمل: {فَالْحَامِلَاتِ وقْرًا (٢)}.