بين في هذه الآية الكريمة: أن الذين جعل الله على قلوبهم أكنة تمنعهم أن يفقهوا ما ينفعهم من آيات القرآن التي ذكروا بها لا يهتدون أبدًا، فلا ينفع فيهم دعاؤك إياهم إلى الهدى. وهذا المعنى الذي أشار له هنا من أن من أشقاهم الله لا ينفع فيهم التذكير جاء مبينًا في مواضع أخر، كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)}، وقوله تعالى: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٢٠١)}، وقوله تعالى: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠١)}، وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (١٠٠)}، وقوله تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٣٧)}.
وهذه الآية وأمثالها في القرآن فيها وجهان معروفان عند العلماء.
أحدهما: أنها في الذين سبق لهم في علم الله أنهم أشقياء، عياذًا بالله تعالى.
والثاني: أن المراد أنهم كذلك ما داموا متلبسين بالكفر. فإن هداهم الله إلى الإيمان وأنابوا زال ذلك المانع. والأول أظهر والعلم عند الله تعالى.
والفاء في قوله:{فَلَنْ يَهْتَدُوا} لأن الفعل الذي بعد "لن" لا يصلح أن يكون شرطًا لـ"إن" ونحوها. والجزاء إذا لم يكن صالحًا لأن يكون شرطًا لـ"إن" ونحوها، لزم اقترانه بالفاء؛ كما عقده في الخلاصة بقوله: