واقْرُن بِفا حتمًا جوابًا لو جُعِلْ ... شرطًا لإنْ أو غيرِها لم يَنْجَعِل
وقوله في هذه الآية الكريمة {إِذًا} جزاء وجواب؛ فدل على انتفاء اهتدائهم لدعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بمعنى أنهم جعلوا ما يجب أن يكون سببًا للاهتداء سببًا لانتفائه؛ لأن المعنى: فلن يهتدوا إذا دعوتهم، ذكر هذا المعنى الزمخشري، وتبعه أبو حيان في البحر. وهذا المعنى قد غلطًا فيه، وغلط فيه خلق لا يحصى كثرة من البلاغيين وغيرهم.
وإيضاح ذلك: أن الزمخشري هنا وأبا حيان ظنا أن قوله: {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} شرط وجزاء، وأن الجزاء مرتب على الشرط كترتيب الجزاء على ما هو شرط فيه؛ ولذا ظنا أن الجزاء الذي هو عدم الاهتداء المعبر عنه في الآية بقوله:{فَلَنْ يَهْتَدُوا} مرتب على الشرط الذي هو دعاؤه إياهم المعبر عنه في الآية بقوله: {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى} المشار إليه أيضًا بقوله: {إِذًا} فصار دعاؤه إياهم سبب انتفاء اهتدائهم. وهذا غلط؛ لأن هذه القضية الشرطية في هذه الآية الكريمة ليست شرطية لزومية، حتى يكون بين شرطها وجزائها ارتباط، بل هي شرطية اتفاقية، والشرطية الاتفاقية لا ارتباط أصلًا بين طرفيها، فليس أحدهما سببًا في الآخر، ولا ملزومًا ولا لازمًا له، كما لو قلت: إن كان الإنسان ناطقًا فالفرس صاهل، فلا ربط بين الطرفين؛ لأن الجزاء في الاتفاقية له سبب آخر غير مذكور، كقولك: لو لم يخف الله لم يعصه؛ لأن سبب انتفاء العصيان ليس هو عدم الخوف الذي هو شرط، بل هو شيء آخر غير مذكور، وهو تعظيم الله جل وعلا،