للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومحبته المانعة من معصيته. وكذلك قوله هنا: {فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (٥٧)} سببه الحقيقي غير مذكور معه، فليس هو قوله: {وَإِنْ تَدْعُهُمْ} كما ظنه الزمخشري وأبو حيان وغيرهما. بل سببه هو إرادة الله جل وعلا انتفاء اهتدائهم على وفق ما سبق في علمه أزلًا.

ونظير هذه الآية الكريمة في عدم الارتباط بين طرفي الشرطية قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} لأن سبب بروزهم إلى مضاجعهم شيء آخر غير مذكور في الآية، وهو ما سبق في علم الله من أن بروزهم إليها لا محالة واقع، وليس سببه كينونتهم في بيوتهم المذكورة في الآية. وكذلك قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ ... } الآية، إلى غير ذلك من الآيات. وقد أوضحت الفرق بين الشرطية اللزومية والشرطية الاتفاقية في أرجوزتي في المنطق وشرحي لها في قولي:

مقدم الشرطية المتصله ... مهما تكن صحبة ذاك التال له

لموجب قد اقتضاها كسبب ... فهي اللزومية ثم إن ذهب

موجب الاصطحاب ذا بينهما ... فالاتفاقية عند العلما

ومثال للشرطية المتصلة اللزومية قولك: كلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا، لظهور التلازم بين الطرفين، ويكفي في ذلك حصول مطلق اللازمية دون التلازم من الطرفين، كقولك: كلما كان الشيء إنسانًا كان حيوانًا، إذ لا يصدق عكسه.

فلو قلت: كلما كان الشيء حيوانًا كان إنسانًا لم يصدق؛ لأن