بتزيينه، والسلطان المنفي هو سلطان الحجة، فلم يكن لإبليس عليهم من حجة يتسلط بها، غير أنه دعاهم فأجابوه بلا حجة ولا برهان. وإطلاق السلطان على البرهان كثير في القرآن.
الثاني: أن الله لم يجعل له عليهم سلطانًا ابتداء البتة، ولكنهم هم الذين سلطوه على أنفسهم بطاعاته ودخولهم في حزبه، فلم يتسلط عليهم بقوة؛ لأن الله يقول: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (٧٦)} وإنما يتسلط عليهم بإرادتهم واختيارهم.
ذكر هذا الجواب بوجهيه العلامة ابن القيم رحمه الله. وقد بينا هذا في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب).
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه إذا بدل آية مكان آية، بأن نسخ آية أو أنساها، وأتي بخير منها أو مثلها: أن الكفار يجعلون ذلك سببًا للطعن في الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بادعاء أنه كاذب على الله، مفتر عليه زعمًا منهم أن نسخ الآية بالآية يلزمه البداء، وهو الرأي المجدد، وأن ذلك مستحيل على الله، فيفهم عندهم من ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مفتر على الله زاعمين أنه لو كان من الله لأقره وأثبته، ولم يطرأ له فيه رأي متجدد حتى ينسخه.
والدليل على أن قوله:{بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} معناه: نسخنا آية وأنسيناها، قوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} وقوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} أي: أن تنساه.