بقوله:{فَجَمَعَ كَيدَهُ} هو جمعة للسحرة من أطراف مملكته، ويدل على هذا أمران: أحدهما: تسمية السحر في القرآن كيدًا؛ كقوله:{إِنَّمَا صَنَعُوا كَيدُ سَاحِرٍ} الآية، وقوله تعالى عن السحرة:{فَأَجْمِعُوا كَيدَكُمْ} وكيدُهم سِحْرُهم. الثاني: أن الذي جمعه فرعون هو السحرة كما دلت عليه آيات من كتاب الله؛ كقوله تعالى في "الأعراف": {وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢)}، وقوله: {حَاشِرِينَ (١١١)} أي: جامعين يجمعون السحر من أطراف مملكته، وقوله في "الشعراء": {وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨)}، وقوله في "يونس": {وَقَال فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩)}.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {ثُمَّ أَتَى (٦٠)} أي: جاء فرعون بسحرته للميعاد ليغلب نبي الله موسى بسحره في زعمه.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن السحرة لما جمعهم فرعون واجتمعوا مع موسى للمغالبة قالوا له متأدبين معه: {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥)} وقد بين تعالى مقالتهم هذه في غير هذا الموضع؛ كقوله في "الأعراف": {قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ}. وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يحذف مفعول فعل في موضع، ثم يبين في موضع آخر، فإنا نبين ذلك، وقد حذف هنا في هذه الآية مفعول {تُلْقِيَ}، ومفعول أول من {أَلْقَى (٦٥)} وقد بين تعالى في مواضع أخر أن مفعول إلقاء موسى هو عصاه وذلك في قوله في