الاستفهام في قوله:{أَفَحَسِبْتُمْ} للإِنكار، والحسبان هنا معناه: الظن. يعني: أظننتم أنا خلقناكم عبثًا لا لحكمة، وأنكم لا ترجعون إلينا يوم القيامة، فنجازيكم على أعمالكم، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا شر، ثم نزه جل وعلا نفسه عن أن يكون خلقهم عبثًا، وأنهم لا يرجعون إليه للحساب والجزاء.
وقوله: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦)} أي: تعاظم وتقدس، وتنزه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله، ومنه خلقكم عبثًا سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.
وما تضمنته هذه الآية من إنكار الظن المذكور جاء موضحًا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧)} وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (٣٨) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} وقوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣٩)} وقوله: {سُدًى} أي: مهملًا لا يحاسب ولا يجازى، وهو محل إنكار ظن ذلك في قوله: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦)} وقوله: {عَبَثًا} يجوز إعرابه حالًا؛ لأنه مصدر منكر، أي: إنما خلقناكم في حال كوننا عابثين، ويجوز أن يعرب مفعولًا من أجله؛ أي: إنما خلقناكم لأجل العبث، لا لحكمة اقتضت خلقنا إياكم. وأعربه بعضهم مفعولًا مطلقًا، وليس بظاهر.