لما بين أن المترفين من الكفار إذا أخذهم ربهم بالعذاب ضجوا وصاحوا واستغاثوا، وبين أنهم لا يغاثون - كما أوضحنا آنفًا - بين سبب ذلك بقوله:{قَدْ كَانَتْءَايَاتِى} أي: التي أرسلت بها رسلي: {تُتْلَى عَلَيْكُمْ} تقرأ عليكم واضحة مفصلة، {فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ} ترجعون عنها القهقرى. والعقب: مؤخر القدم. والنكوص: الرجوع عن الأمر. ومنه قوله تعالى:{فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} ومنه قول الشاعر:
زعموا بأنهم على سبل النجا ... ة وإنما نكص على الأعقاب
وهذا المعنى الذي ذكره هنا أشار له في غير هذا الموضع، كقوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢)} فكفرهم عند ذكر الله وحده من نكوصهم على أعقابهم، وبين في موضع آخر أنهم إذا تتلى عليهم آياته لم يقتصروا على النكوص عنها على أعقابهم، بل يكادون يبطشون بالذي يتلوها عليهم، لشدة بغضهم لها، وذلك في قوله تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} وهذا الذي ذكرنا أن العذاب عذاب يوم القيامة أظهر عندنا من قول من قال: إنه يوم بدر،