فمعنى الآية الكريمة: أن المنعمين في الدنيا من الكفار إذا أخذهم الله بالعذاب يوم القيامة صاحوا مستصرخين مستغيثين، يطلبون الخلاص مما هم فيه، وصراخهم واستغاثتهم المشار له هنا جاء في آيات أخر، كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} فقوله: (يصطرخون) يفتعلون من الصراخ مستغيثين يريدون الخروج مما هم فيه، بدليل قوله تعالى عنهم:{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} فهذا الصراخ المذكور في هذه الآية العام للمترفين وغيرهم هو الجؤار المذكور عن المترفين هنا.
ومن إطلاق العرب الجؤار على الصراخ والدعاء للاستغاثة قول الأعشى:
يراوح من صلوات المليك ... فطورًا سجودًا وطورًا جؤارا
والجؤار المذكور: هو النداء في قوله: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (٣)} لأن نداءهم نداء استغاثة واستصراخ، وكقوله تعالى:{وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} الآية؛ لأن القضاء عليهم من أعظم الأمور التي يطلبونها، فيستغيثون بالموت من دوام ذلك العذاب الشديد، أجارنا الله وإخواننا المسلمين منه، كقوله تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (١٣) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (١٤)} وذلك الدعاء بالثبور الذي هو أعظم الهلاك والويل من أنواع جؤارهم والعياذ باللَّه.
وقوله تعالى: {لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (٦٥)} يدل على أنهم إن استغاثوا لم يغاثوا، وإن استرحموا لم يرحموا، وقد أشار