بها هنا أن ذكر: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨)} في معرض الامتنان بالمركوبات لا يقل عن قرينة دالة على أن الآية تشير إلى أن من المراد بها بعض المركوبات، كما قد ظهرت صحة ذلك بالعيان.
وقد ذكر في موضع آخر: أنه يخلق ما لا يعلمه خلقه غير مقترن بالامتنان بالمركوبات، وذلك في قوله: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (٣٦)}.
اعلم أولًا: أن قصد السبيل: هو الطريق المستقيم القاصد، الذي لا اعوجاج فيه. وهذا المعنى معروف في كلام العرب، ومنه قول زهير بن أبي سلمى المزني:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعرى أفراسُ الصبا ورواحِلُه
وأقصرت عما تعلمين وسُدِّدَتْ ... علَيَّ سوى قصدِ السبيل معادِلُه
وقول امرئ القيس:
ومن الطريقة جائر وهدى ... قصد السبيل ومنه ذو دخل
فإذا علمت ذلك فاعلم: أن في معنى الآية الكريمة وجهين معروفين للعلماء، وكل منهما له مصداق في كتاب الله، إلا أن أحدهما أظهر عندي من الآخر.
الأول منهما: أن معنى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ}: أن طريق الحق التي هي قصد السبيل على الله، أي موصلة إليه، ليست حائدة، ولا جائرة عن الوصول إليه وإلى مرضاته {وَمِنْهَا جَائِرٌ}: