(أم) هنا بمعنى استفهام الإِنكار، فالكفار لما قالوا: الملائكة بنات الله، أنكر الله عليهم أشد الإِنكار، موبخًا لهم أشد التوبيخ، حيث افتروا عليه الولد، ثم جعلوا له أنقص الولدين وأحقرهما وهو الأنثى، كما قال هنا:{أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} وهي النصيب الأدنى من الأولاد، (وأصفاكم) أنتم، أي خصكم وآثركم بالبنين الذين هم النصيب الأعلى من الأولاد؟
وإنكار هذا عليهم وتوبيخهم عليه جاء موضحًا في آيات كثيرة، كقوله:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا} يعني الأنثى، كما أوضحه بقوله: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨)} يعني: فكيف تجعلون لله الإِناث وأنتم لو بشر الواحد منكم بأن امرأته ولدت أنثى (لظل وجهه مسودًا) يعني من الكآبة (وهو كظيم) أي ممتلئ حزنًا وغمًّا؟، وكقوله تعالى هنا: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيرُ مُبِينٍ (١٨)} ففيه إنكار شديد وتقريع عظيم لهم بأنهم مع افترائهم عليه جل وعلا الولد جعلوا له أنقص الولدين، الذي لنقصه الخلقي (ينشأ في الحلية) من الحلي والحلل وأنواع الزينة، من صغره إلى كبره، ليجبر بتلك الزينة نقصه الخلقي الطبيعي، (وهو في الخصام غير مبين)؛ لأن الأنثى غالبًا لا تقدر على القيام بحجتها