والخيرَ كُلَّ الخيرِ في اتباعِ نورِ هذا القرآنِ العظيمِ، والاهتداءِ بِهَدْيِ هذا النبيِّ الكريمِ ... " إلخ.
وبعدَ هذا العرضِ بَقِيَ أن تعلمَ أن الشيخَ (رحمه الله) لم يَحْصُلْ له هذا الرسوخُ في هذا البابِ في أُخْرَيَاتِ حياتِه بل تجدُ ذلك أيضا في بعضِ مؤلفاتِه القديمةِ قبل استقرارِه في هذه البلادِ، ومن ذلك ما كَتَبَهُ في كتابِه (رِحْلَةُ الْحَجِّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ) جوابًا على سؤالٍ وُجِّهَ إليه عَنْ مذهبِ أهلِ السنةِ في الصفاتِ فأجابَ بنفسِ الأسلوبِ والمستوى الذي كان يُقَرِّرُ فيه اعتقادَ أهلِ السنةِ في هذا البابِ في أخرياتِ حياتِه. فَرَحِمَهُ اللَّهُ رحمةً واسعةً.
تَصَدَّى الشيخُ (رحمه الله) للتدريسِ وَالْفُتْيَا، كما اشْتُهِرَ بالقضاءِ، وكانت طريقتُه فيه أن يَسْتَكْتِبَ الْمُتَقَاضِيَيْنِ رَغْبَتَهُمَا في التقاضِي إليه، وقبولهما ما يَقْضِي به، ثم يستكتبُ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ، ويكتبُ جوابَ الْمُدَّعَى عليه أسفلَ كتابةِ الدَّعْوَى، ثم يكتبُ الحكمَ مع الدعوى والإجابةَ، ثم يُحِيلُهُمَا إلى مَنْ شَاءَا من المشايخِ أو الحكامِ للتصديقِ عليها وتنفيذِها.
وكان يقضي في كُلِّ شيءٍ إلا في الدماءِ والحدودِ، إِذْ كان للدماءِ قضاءٌ خاصٌّ، وكان الحاكمُ الفرنسيُّ في البلادِ يقضي بالقصاصِ في القتلِ بعدَ محاكمةٍ وَمُرَافَعَةٍ، وبعدَ تمحيصِ القضيةِ وإنهاءِ المرافعةِ، وصدورِ الحكمِ، يُعْرَضُ على عَالِمَيْنِ من علماءِ البلادِ للمصادقةِ عليه، ويطلقُ على الْعَالِمَيْنِ: لجنةُ الدماءِ، وكان (رحمه الله) أحدَ عُضْوَيْ هذه