ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن المؤمنين المتصفين بالصفات التي قدمناهم الوارثون، وحذف مفعول اسم الفاعل الذي هو الوارثون، لدلالة قوله:{الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} عليه. والفردوس: أعلا الجنة، وأوسطها، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن جل وعلا، وعبر تعالى عن نيل الفردوس هنا باسم الوراثة.
وقد أوضحنا معنى الوراثة، والآيات الدالة على ذلك المعنى، كقوله تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (٦٣)} وقوله: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)} وقوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} الآية في سورة مريم في الكلام على قوله: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وقرأ هذا الحرف: حمزة والكسائي: على (صلاتهم) بغير واو، بصيغة الإِفراد وقرأ الباقون: على (صلواتهم) بالواو المفتوحة بصيغة الجمع المؤنث السالم، والمعنى واحد؛ لأن المفرد الذي هو اسم جنس إذا أضيف إلى معرفة كان صيغة عموم، كما هو معروف في الأصول.
وقوله هنا:{وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي: بلا انقطاع أبدًا، كما قال تعالى: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)} أي: غير مقطوع. وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (٥٤)} قال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} كما قدمناه مستوفى.