أعلى الدرجات، فتكون بذلك درجاتهم أعلى من درجة من لم يرتكب شيئًا من ذلك. ومما يوضح هذا قوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيهِ وَهَدَى (١٢٢)}. فانظر أي أثر يبقى للعصيان والغي بعد توبة الله عليه، واجتبائه أي: اصطفائه إياه، وهدايته له، ولا شك أن بعض الزلات ينال صاحبها بالتوبة منها درجة أعلى من درجته قبل ارتكاب تلك الزلة. والعلم عند الله تعالى.
الاجتباء: الاصطفاء والاختيار؛ أي: ثم بعدما صدر من آدم بمهلة اصطفاه ربه واختاره فتاب عليه وهداه إلى ما يرضيه. ولم يبين هنا السبب لذلك، ولكنه بين في غير هذا الموضع أنه تلقى من ربه كلمات فكانت سبب توبة ربه عليه، وذلك في قوله:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيهِ} أي بسبب تلك الكلمات كما تدل عليه الفاء. وقد قدمنا في سورة "البقرة": أن الكلمات المذكورة هي المذكورة في سورة "الأعراف" في قوله تعالى: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣)} وخير ما يفسر به القرآن القرآن.
الظاهر أن ألف الاثنين في قوله:{اهْبِطَا} راجعة إلى آدم وحواء المذكورين في قوله: {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} الآية، خلافًا لمن زعم أنها راجعة إلى إبليس وآدم، وأمره إياهما بالهبوط من الجنة المذكور في آية "طه" هذه جاء مبينًا في غير هذا