وفي هذه الآيات سؤال معروف، وهو أن يقال: كيف جيء بصيغة الجمع في قوله: {اهْبِطُوا} في "البقرة" و"الأعراف" وبصيغة التثنية في "طه" في قوله: {اهْبِطَا} مع أنه أتبع صيغة التثنية في "طه" بصيغة الجمع في قوله: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى}؟ وأظهر الأجوبة عندي عن ذلك: أن التثنية باعتبار آدم وحواء فقط، والجمع باعتبارهما مع ذريتهما. خلافًا لمن زعم أن التثنية باعتبار آدم وإبليس، والجمع باعتبار ذريتهما معهما، وخلافًا لمن زعم أن الجمع في قوله:{اهْبِطُوا} مراد به آدم وحواء وإبليس والحية. والدليل على أن الحية ليست مراده في ذلك هو أنها لا تدخل في قوله:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى} لأنها غير مكلفة.
واعلم أن المفسرين يذكرون قصة الحية، وأنها كانت ذات قوائم أربع كالبختية من أحسن دابة خلقها الله، وأن إبليس دخل في فمها فأدخلته الجنة، فوسوس لآدم وحواء بعد أن عرض نفسه على كثير من الدواب فلم يدخله إلا الحية، فأُهْبط هو إلى الأرض ولُعِنت هي ورُدِّت قوائمها في جوفها، وجعلَت العداوة بينها وبين بني آدم، ولذلك أمروا بقتلها. وبهذه المناسبة ذكر القرطبي رحمه الله في تفسيره في سورة "البقرة" جملًا من أحكام