هكذا قال بعض أهل العلم. ولكنه يرد عليه أن "فعلة" كجثوة لم يعهد جمعها على "فعول" كجثى. وقرأ هذا الحرف حمزة والكسائي وحفص: {جِثِيًّا (٦٨)} بكسر الجيم إتباعًا للكسرة بعده وقرأ الباقون: (جُثِيًّا) بضم الجيم على الأصل.
قوله في هذه الآية الكريمة:{ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ} أي: لنستخرجن {مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ} أي: من كل أمة أهل دين واحد. وأصل الشيعة فِعْلة كفرقة، وهي الطائفة التي شاعت غيرها أي: تبعته في هدى أو ضلال؛ تقول العرب: شاعه شياعًا: إذا تبعه.
وقوله تعالى: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (٦٩)} أي: لنستخرجن ولنميزن من كل طائفة من طوائف الغي والفساد أعصاهم فأعصاهم، وأعتاهم فأعتاهم، فيبدأ بتعذيبه وإدخاله النار على حسب مراتبهم في الكفر، والإضلال والضلال. وهذا هو الظاهر في معنى الآية الكريمة: أن الرؤساء القادة في الكفر يعذبون قبل غيرهم ويشدد عليهم العذاب لضلالهم وإضلالهم.
وقد جاءت آيات من كتاب الله تعالى تدل على هذا، كقوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨)}، وقوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (١٣) وقوله: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥)} ولأجل هذا كان في أمم النار أولى وأخرى.