وأما إحضارهم حول جهنم جثيًّا فقد أشار له في قوله: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨)}، وقوله في هذه الآية الكريمة:{جِثِيًّا}، جمع جاث. والجاثي اسم فاعل جثا يجثو جثوًا. وجثى يجثي جثيًّا: إذا جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه. والعادة عند العرب: أنهم إذا كانوا في موقف ضنك وأمر شديد، جثوا على ركبهم، ومنه قول بعضهم:
فمن للحماة ومن للكماة ... إذا ما الكماة جثوا للركب
إذا قيل مات أَبو مالك ... فتى المكرمات قريع العرب
وكون معنى قوله: {جِثِيًّا (٦٨)} في هذه الآية، وقوله:{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} الآية: أنَّه جثيهم على ركبهم هو الظاهر، وهو قول الأكثر، وهو الإطلاق المشهور في اللغة؛ ومنه قول الكميت:
هم تركوا سَرَاتهم جثيًّا ... وهم دون السراة مقرَّنينا
وعن ابن عبَّاس في قوله في هذه الآية الكريمة: {جِثِيًّا (٦٨)} أن معناه جماعات. وعن مقاتل {جِثِيًّا (٦٨)}، : أي جمعًا جمعًا، وهو على هذا القول جمع "جثوة" مثلثة الجيم، وهي الحجارة المجموعة والتراب المجموع. فأهل الخمر يحضرون حول جهنم على حدة، وأهل الزنى على حدة؛ وأهل السرقة على حدة، وهكذا. ومن هذا المعنى قول طرفة بن العبد في معلقته:
ترى جُثْوتين من ترابٍ عليهما ... صفائحُ صمّ من صفيح منضَّد