وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (٥٧)} أي لأن عذاب الكفار الذين كانوا يستهزؤون بآيات الله لا يراد به إلا إهانتهم وخزيهم وشدة إيلامهم بأنواع العذاب، وليس فيه تطهير ولا تمحيص لهم، بخلاف عصاة المسلمين فإنهم وإن عذبوا فسيصيرون إلى الجنة بعد ذلك العذاب، فليس المقصود بعذابهم مجرد الإِهانة بل ليؤولوا بعده إلى الرحمة ودار الكرامة.
قوله تعالى:{مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} قد قدمنا الآيات الموضحة له مع الشواهد العربية في سورة إبراهيم في الكلام على قوله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} الآية، وبينا هناك أن أصح الوجهين أن وراء بمعنى أمام.
فمعنى {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} أي أمامه جهنم يصلاها يوم القيامة، كما قال تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (٧٩)} أي أمامهم ملك.
وذكرنا هناك الشواهد العربية على إطلاق وراء بمعنى أمام, وبينا أن هذا هو التحقيق في معنى الآية، وكذلك آية الجاثية هذه، فقوله تعالى:{مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} أي أمامهم جهنم يصلونها يوم القيامة.