للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المحاجة في شيء واحد وهو توحيد الله جل وعلا، وإقامة الحجة القاطعة على أنه لا معبود إلا هو وحده جل وعلا في سورة "الأنعام" وفي غيرها. والعلم عند الله تعالى.

• قوله تعالى: {قَال أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قَال سَلَامٌ عَلَيكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (٤٧)}.

بين الله جل وعلا في هاتين الآيتين الكريمتين: أن إبراهيم لما نصح أباه النصيحة المذكورة مع ما فيها من الرفق واللين، وإيضاح الحق والتحذير من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر ومن عذاب الله تعالى وولاية الشيطان؛ خاطبه هذا الخطاب العنيف، وسماه باسمه ولم يقل له: يا بُني في مقابلة قوله له: يا أبتِ. وأنكر عليه أنه راغب عن عبادة الأوثان أي معرض عنها لا يريدها؛ لأنه لا يعبد إلا الله وحده جل وعلا. وهدده بأنه إن لم ينته عما يقوله له ليرجمنه قيل بالحجارة وقيل باللسان شتمًا، والأول أظهر. ثم أمره بهجره مليًّا أي زمانًا طويلًا، ثم بين أن إبراهيم قابل أيضًا جوابه العنيف بغاية الرفق واللين في قوله: {قَال سَلَامٌ عَلَيكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} الآية. وخطاب إبراهيم لأبيه الجاهل بقوله: {سَلَامٌ عَلَيكَ} قد بين جل وعلا أنه خطاب عباده المؤمنين للجهال إذا خاطبوهم، كما قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (٦٣) وقال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (٥٥)}. وما ذكره تعالى هنا من أن إبراهيم لما أقنع أباه بالحجة القاطعة، قابله