أبوه بالعنف والشدة؛ بين في مواضع أخر أنه هو عادة الكفار المتعصبين لأصنامهم، كلما أفحموا بالحجة القاطعة لجئوا إلى استعمال القوة، كقوله تعالى عن إبراهيم لما قال له الكفار عن أصنامهم: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥)} قال: {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٧)} فلما أفحمهم بهذه الحجة لجئوا إلى القوة، كما قال تعالى عنهم: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (٦٨)}. ونظيره قوله تعالى عن قوم إبراهيم:{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ .. } الآية، وقوله عن قوم لوط لما أفحمهم بالحجة:{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ .. } الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله:{سَلَامٌ عَلَيكَ} يعني لا ينالك مني أذى ولا مكروه، بل ستسلم مني فلا أوذيك. وقوله:{سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} وعد من إبراهيم لأبيه باستعفاره له، وقد وفى بذلك الوعد، كما قال تعالى عنه: {وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦)}، وكما قال تعالى عنه: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (٤١)}.
ولكن الله لما بين له أنه عدو لله تبرأ منه، ولم يستغفر له بعد ذلك، كما قال تعالى: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤)}، وقد قال تعالى:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} والموعدة المذكورة هي قوله هنا: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي .. } الآية. ولما اقتدى المؤمنون بإبراهيم فاستغفروا لموتاهم المشركين، واستغفر النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمه أبي طالب؛