الوجه الثاني: أن معنى قوله: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (٥)} أي سيرت بين السماء والأرض، وعلى هذا فالمراد ببسها سوقها وتسييرها، من قول العرب: بسست الإبل أبُسها، بضم الباء، وأبسستها أُبسها بضم الهمزة وكسر الباء، لغتان بمعنى سقتها، ومنه حديث:"يخرج أقوام من المدينة إلى اليمن والشام والعراق يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون".
وهذا الوجه تشهد له آيات من كتاب الله، كقوله تعالى:{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَال} الآية، وقوله: {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيرًا (١٠)}. وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة النمل في الكلام على قوله:{وَتَرَى الْجِبَال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}.
الوجه الثالث: أن معنى قوله: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (٥)} نزعت من أماكنها وقلعت، وقد أوضحنا أن هذا الوجه راجع للوجه الأول مع الإيضاح التام لأحوال الجبال يوم القيامة وأطوارها، بالآيات القرآنية في سورة طه في الكلام على قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (١٠٥)}.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (٦)} كقوله تعالى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (٢٠)}، والهباء إذا انبث، أي تفرق واضمحل: صار لا شيء، والسراب قد قال الله تعالى فيه:{حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيئًا}.