للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الوجه يشهد له قرآن، كقوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (١٤)} , فقوله: {كَثِيبًا مَهِيلًا (١٤)} أي رملًا متهايلًا، ومنه قول امرئ القيس:

ويومًا على ظهر الكثيب تعذرت ... عليَّ وآلت حلفة لم تحلل

ومشابهة الدقيق المبسوس بالرمل المتهايل واضحة، فقوله: {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (١٤)} مطابق في المعنى لتفسير {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (٥)} بأن بسها هو تفتيتها وطحنها كما ترى.

وما دلت عليه هذه الآيات من أنها تسلب عنها قوة الحجرية وتتصف بعد الصلابة والقوة باللين الشديد الذي هو كلين الدقيق والرمل المتهايل، يشهد له في الجملة تشبيهها في بعض الآيات بالصوف المنفوش الذي هو العهن، كقوله تعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) وقوله تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (٩)}، وأصل العهن أخص من مطلق الصوف؛ لأنه الصوف المصبوغ خاصة؛ ومنه قول زهير بن أبي سلمى في معلقته:

كأن فتاة العهن في كل منزل ... نزلن به حب الفنا لم يحطم

وقال بعضهم: الجبال منها جدد بيض وحمر ومختلف ألوانها وغرابيب سود، فإذا بست وفتتت يوم القيامة وطيرت في الجو أشبهت العهن إذا طيرته الريح في الهواء، وهذا الوجه يدل عليه ترتيب كينونتها هباء منبثًا بالفاء على قوله: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (٥)}؛ لأن الهباء هو ما ينزل من الكوة من شعاع الشمس إذا قابلتها، {مُنْبَثًّا (٦)} أي متفرقًا، ووصفها بالهباء المنبث أنسب لكون البَسِّ بمعنى التفتيت والطحن.