• قوله تعالى: {لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢)} لم يبين هنا المفعول به لقوله: لِتُنْذِرَ، ولكنه بينه في مواضع أُخر كقوله: {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً (٩٧)} وقوله: {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} إلى غير ذلك من الآيات، كما أنه بين المفعول الثاني للإنذار في آيات أخر، كقوله:{لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ} الآية، وقوله: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى (١٤)} وقوله: {إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً} الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد جمع تعالى في هذه الآية الكريمة بين الإنذار والذكرى في قوله: {لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢)} فالإنذار للكفار، والذكرى للمؤمنين، ويدلّ لذلك قوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً (٩٧)} وقوله: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)} وقوله: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (٤٥)}.
ولا ينافي ما ذكرنا من أن الإنذار للكفار، والذكرى للمؤمنين أنه قصر الإنذار على المؤمنين دون غيرهم في قوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١)} لأنه لما كان الانتفاع بالإنذار مقصوراً عليهم صار الإنذار كأنه مقصور عليهم، لأن ما لا نفع فيه فهو كالعدم.
ومن أساليب اللغة العربية: التعبير عن قليل النفع بأنه لا شيء.
وحاصل تحرير المقام في هذا المبحث: أن الإنذار يطلق في القرآن إطلاقين.