للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أي لا يكن في صدرك ضيق عن تبليغ ما أمرت به؛ لشدة تكذيبهم لك؛ لأن تحمل عداوة الكفار، والتعرض لبطشهم مما يضيق به الصدر، وكذلك تكذيبهم له - صلى الله عليه وسلم - مع وضوح صدقه بالمعجزات الباهرات مما يضيق به الصدر. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة" أخرجه مسلم. والثلغ: الشدخ، وقيل: ضرب الرطب باليابس حتى ينشدخ، وهذا البطش مما يضيق به الصدر.

ويدل لهذا الوجه الأخير في الآية قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} وقوله: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧)} وقوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦)} وقوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣)}.

ويؤيد الوجه الأخير في الآية أن الحرج في لغة العرب الضيق، وذلك معروف في كلامهم، ومنه قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} وقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وقوله: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} أي شديد الضيق، إلى غير ذلك من الآيات، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة، أو جميل:

فخرجت خوف يمينها فتبسمت ... فعلمت أن يمينها لم تحرج

وقول العرجي:

عوجي علينا ربة الهودج ... إنك إلا تفعلي تحرجي

والمراد بالإحراج في البيتين: الإدخال في الحرج. بمعنى الضيق كما ذكرنا.