للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشديدة وإن لم يكن هناك قسم أصلًا. يقولون: ما فعلت كذا إلَّا تحلة القسم، يعنون إلَّا فعلًا قليلًا جدًا قدر ما يحلل به الحالف قسمه. وهذا أسلوب معروف في كلام العرب، ومنه قول كعب بن زهير في وصف ناقته:

تَخْذِي على يَسَراتٍ وهي لاحِقَةٌ ... ذوابلٌ مَسُّهُنَّ الأرضَ تحليلُ

يعني: أن قوائم ناقته لا تمس الأرض لشدة خفتها إلَّا قدر تحليل القسم، ومعلوم أنَّه لا يمين من ناقته أنَّها تمس الأرض حتَّى يكون ذلك المس تحليلًا لها كما ترى. وعلى هذا المعنى المعروف: فمعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - "إلَّا تحلة" أي: لا يلج النار إلَّا ولوجًا قليلًا جدًا لا ألم فيه ولا حر، كما قدمنا في حديث جابر المرفوع. وأقرب أقوال من قالوا: إن في الآية قسمًا قول من قال: إنه معطوف على قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ}، لأن الجمل المذكورة بعده معطوفة عليه، كقوله: {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ}، وقوله: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ} وقوله: {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ} لدلالة قرينة لام القسم في الجمل المذكورة على ذلك. أما قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا} فهو محتمل للعطف أيضًا، ومحتمل للاستئناف. والعلم عند الله تعالى.

• قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَال الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَينِ خَيرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (٧٤)}.

قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {خَيرٌ مَقَامًا} قرأه ابن كثير بضم الميم. والباقون بفتحها. وقوله: {وَرِئْيًا (٧٤)} قرأه قالون وابن ذكوان "ورِيّا" بتشديد الياء من غير همز. وقرأه الباقون بهمزة