ومعنى الآية الكريمة: أن كفار قريش كانوا إذا يتلوا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه آيات هذا القرآن، في حال كونها بينات أي مرتلات الألفاظ، واضحات المعاني، بينات المقاصد، إما محكمات جاءت واضحة، أو متشابهات قد تبعها البيان بالمحكمات، أو تبيين الرسول - صلى الله عليه وسلم - قولًا أو فعلًا، أو ظاهرات الإعجاز تحدى بها فلم يقدر على معارضتها، أو حججًا وبراهين.
والظاهر أن قوله:{بَيِّنَاتٍ} حال مؤكدة؛ لأن آيات الله لا تكون إلَّا كذلك. ونظير ذلك قوله تعالى:{وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} أي: إذا تُتلى عليهم آيات الله في حال كونها متصفة بما ذكرنا عارضوها واحتجوا على بطلانها، وأن الحق معهم لا مع من يتلوها، بشبهة ساقطة لا يحتج بها إلَّا من لا عقل له. ومضمون شبهتهم المذكورة: أنهم يقولون لهم: نحن أوفر منكم حظًّا في الدنيا، فنحن أحسن منكم منازل، وأحسن منكم متاعًا، وأحسن منكم منظرًا، فلولا أننا أفضل عند الله منكم لما آثرنا عليكم في الحياة الدنيا، وأعطانا من نعيمها وزينتها ما لم يعطكم.
فقوله:{أَيُّ الْفَرِيقَينِ خَيرٌ مَقَامًا} أي. نحن وأنتم أينا خير مقامًا. والمقام على قراءة ابن كثير بضم الميم محل الإقامة، وهو المنازل والأمكنة التي يسكنونها. وعلى قراءة الجمهور فالمقام -بفتح الميم- مكان القيام وهو موضع قيامهم وهو مساكنهم ومنازلهم. وقيل: وهو موضع القيام بالأمور الجليلة. والأول هو الصواب.