كان الشيخُ (رحمه الله) يتمتعُ بهمةٍ عاليةٍ في طلبِ العلمِ، فَلَمْ يكن يُفَوِّتُ مسألةً مما دَرَسَ دونَ استيعابٍ وتمحيصٍ، وإن كَلَّفَهُ ذلك جهودًا مضنيةً وأوقاتًا طويلةً، وإليك هذه الواقعةَ التي تُنَادِي بما ذكرتُ، يقولُ الشيخُ (رحمه الله): "جِئْتُ للشيخِ في قراءتِي عليه، فَشَرَحَ لي كما كان يشرحُ، ولكنه لم يَشْفِ ما في نفسي على ما تَعَوَّدْتُ، ولم يَرْوِ لي ظَمَئِي، وقمتُ من عنده وأنا أَجِدُنِي في حاجةٍ إلى إزالةِ بعضِ اللبسِ، وإيضاحِ بعضِ المُشْكِلِ، وكان الوقتُ ظُهْرًا، فأخذتُ الكتبَ والمراجعَ، فَطَالَعْتُ حتى العصرِ، فلم أَفْرَغْ من حاجتِي، فعاودتُ حتى المغربِ، فلم أَنْتَهِ أيضًا، فَأَوْقَدَ لِي خَادِمي أعوادًا من الحطبِ أقرأُ على ضَوْئِهَا، كعادةِ الطلابِ، وواصلتُ المطالعةَ، وأتناولُ الشاهي الأخضرَ كُلَّمَا مَلِلْتُ أو كَسِلْتُ، والخادمُ بجواري يوقدُ الضوءَ، حتى انبثقَ الفجرُ وأنا في مجلسي لم أَقُمْ إلا لصلاةِ فرضٍ أو تناولِ طعامٍ، وإلى أن ارتفعَ النهارُ وقد فَرَغْتُ من درسي وزالَ عني لَبْسِي، ووجدتُ هذا المحلَّ من الدرسِ كغيره في الوضوحِ والفَهْمِ .. " ا. هـ
هكذا كان يصنعُ (رحمه الله) حينما يعرضُ له إشكالٌ!! بالإضافةِ إلى ما كانَ يكابدُه من سهرٍ في تَتَبُّعِ كلامِ الشُّرَّاحِ للكتابِ الذي يشتغلُ بدراستِه طَلَبًا لاستيفاءِ كُلِّ ما قِيلَ في المسألةِ أو البابِ.
خَامِسًا: غَزَارَةُ عِلْمِهِ وَسِعَةُ اطِّلَاعِهِ
حَبَا اللَّهُ الشيخَ (رحمه الله) ذكاءً مُفْرطًا، وحافظةً نادرةً، وهمةً عاليةً، فَسَخَّرَ ذلك كُلَّهُ في تحصيلِ العلمِ وجَمْعِه بمختلفِ فنونِه