ذكر جل وعلا في هذه الآية أنه وضع الأرض للأنام وهو الخلق؛ لأن وضع الأرض لهم على هذا الشكل العظيم، القابل لجميع أنواع الانتفاع من إجراء الأنهار وحفر الآبار وزرع الحبوب والثمار ودفن الأموات وغير ذلك من أنواع المنافع، من أعظم الآيات وأكبر الآلاء التي هي النعم، ولذا قال تعالى بعده:{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من امتنانه جل وعلا على خلقه بوضع الأرض لهم بما فيها من المنافع، وجعلها آية لهم، دالة على كمال قدرة ربهم واستحقاقه للعبادة وحده، جاء موضحًا في آيات كثيرة من كتاب الله، كقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَينِ اثْنَينِ} الآية، وقوله تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (٣١) وَالْجِبَال أَرْسَاهَا (٣٢) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٣)} الآية، وقوله تعالى: {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (٤٨)} , وقوله تعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَينَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} الآية، وقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}، والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.