وقوله في هذه الآية الكريمة:{وَمَا أَنْسَانِيهُ إلا الشَّيطَانُ} قرأه عامة القراء ما عدا حفصًا (أنْسَنِيهِ) بكسر الهاء. وقرأه حفص عن عاصم {أَنْسَانِيهُ} بضم الهاء.
هذا العبد المذكور في هذه الآية الكريمة هو الخضر عليه السلام بإجماع العلماء، ودلالة النصوص الصحيحة على ذلك من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذه الرحمة والعلم اللدني اللذان ذكر الله امتنانه عليه بهما، لم يبين هنا هل هما رحمة النبوة وعلمها، أو رحمة الولاية وعلمها. والعلماء مختلفون في الخضر: هل هو نبي، أو رسول، أو ولي؛ كما قال الراجز:
واختلفت في خضر أهل العقول ... قيل نبيٌّ أو وليٌّ أو رسول
وقيل: مَلَك. ولكنه يفهم من بعض الآيات أن هذه الرحمة المذكورة هنا رحمة نبوة. وأن هذا العلم اللدُنِّي علم وحي، مع العلم بأن في الاستدلال بها على ذلك مناقشات معروفة عند العلماء.
اعلم أولًا: أن الرحمة تكرر إطلاقها على النبوة في القرآن. وكذلك العلم المؤتى من الله تكرر إطلاقه فيه على علم الوحي. فمن إطلاق الرحمة على النبوة قوله تعالى في "الزخرف": {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَينِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ .. } الآية. أي: نبوته، حتى يتحكموا في إنزال القرآن على رجل عظيم من القريتين. وقوله تعالى في سورة "الدخان": {فِيهَا