يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ... } الآية، وقوله تعالى في آخر "القصص": {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيكَ الْكِتَابُ إلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ... } الآية. ومن إطلاق إيتاء العلم على النبوة قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيكَ عَظِيمًا (١١٣)}، وقوله:{وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ ... } الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
ومعلوم أن الرحمة وإيتاء العلم اللدني أعم من كون ذلك عن طريق النبوة وغيرها. والاستدلال بالأعم على الأخص فيه: أن وجود الأعم لا يستلزم وجود الأخص كما هو معروف. ومن أظهر الأدلة أن الرحمة والعلم اللدني اللذين أمتنَّ الله بهما على عبده الخضر عن طريق النبوة والوحي قوله تعالى عنه:{وَمَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} أي: وإنما فعلته عن أمر الله جل وعلا. وأمر الله إنما يتحقق عن طريق الوحي، إذ لا طريق تعرف بها أوامر الله ونواهيه إلا الوحي من الله جل وعلا، ولاسيما قتل الأنفس البريئة في ظاهر الأمر، وتعييب سفن الناس بخرقها؛ لأن العدوان على أنفس الناس وأموالهم لا يصح إلا عن طريق الوحي من الله تعالى. وقد حصر تعالى طرق الإنذار في الوحي في قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} و {إِنَّمَا} صيغة حصر.
فإن قيل: قد يكون ذلك عن طريق الإلهام؟
فالجواب: أن المقرر في الأصول أن الإلهام من الأولياء لا يجوز الاستدلال به على شيء، لعدم العصمة، وعدم الدليل على الاستدلال به. بل ولوجود الدليل على عدم جواز الاستدلال به،