ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن هؤلاء الأعراب وهم أهل البادية من العرب قالوا آمنا، وأن الله جل وعلا أمر نبيه أن يقول لهم:{لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}، وهذا يدل على نفي الإيمان عنهم وثبوت الإسلام لهم.
وذلك يستلزم أن الإيمان أخص من الإسلام؛ لأن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم.
وقد قدمنا مرارًا أن مسمى الإيمان الشرعي الصحيح، والإسلام الشرعي الصحيح، هو استسلام القل بالاعتقاد، واللسان بالإقرار، والجوارح بالعمل، فمؤداهما واحد، كما يدل له قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيرَ بَيتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦)}.
وإذا كان ذلك كذلك فإنه يحتاج إلى بيان وجه الفرق بين الإيمان والإسلام في هذه الآية الكريمة؛ لأن الله نفى عنهم الإيمان دون الإسلام، ولذلك وجهان معروفان عند العلماء، أظهرهما عندي: أن الإيمان المنفي عنهم في هذه الآية هو مسماه الشرعي الصحيح، والإسلام المثبت لهم فيها هو الإسلام اللغوي الذي هو الاستسلام والانقياد بالجوارح دون القلب.
وإنما ساغ إطلاق الحقيقة اللغوية هنا على الإسلام مع أن الحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية على الصحيح؛ لأن الشرع الكريم جاء باعتبار الظاهر، وأن توكل السرائر إلى الله.