فانقياد الجوارح في الظاهر بالعمل واللسان بالإقرار يكتفى به شرعا، وإن كان القلب منطويًا على الكفر.
ولهذا ساغ إرادة الحقيقة اللغوية في قوله:{وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}؛ لأن انقياد اللسان والجوارح في الظاهر إسلام لغوي مكتفى به شرعا عن التنقيب عن القلب.
وكل انقياد واستسلام وإذعان يسمى إسلامًا لغة. ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل العدوي مسلم الجاهلية:
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الأرض تحمل صخرًا ثقالًا
دحاها فلما استوت شدها ... جميعا وأرسى عليها الجبالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له المزن تحمل عذبًا زلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة ... أطاعت فصبت عليها سجالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الريح تصرف حالًا فحالا
فالمراد بالإسلام في هذه الأبيات: الاستسلام والانقياد.
وإذا حمل الإسلام في قوله:{وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} انقدنا واستسلمنا بالألسنة والجوارح. فلا إشكال في الآية.
وعلى هذا القول، فالأعراب المذكورون منافقون؛ لأنهم مسلمون في الظاهر، وهم كفار في الباطن.
الوجه الثاني: أن المراد بنفي الإيمان في قوله: {لَمْ تُؤْمِنُوا} نفي كمال الإيمان، لا نفيه من أصله.
وعليه فلا إشكال أيضًا؛ لأنهم مسلمون مع أن إيمانهم غير تام، وهذا لا إشكال فيه عند أهل السنة والجماعة القائلين بأن الإيمان يزيد وينقص.