وإنما استظهرنا الوجه الأول، وهو أن المراد بالإسلام معناه اللغوي دون الشرعي، وأن الأعراب المذكورين كفار في الباطن وإن أسلموا في الظاهر؛ لأن قوله جل وعلا:{وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} يدل على ذلك دلالة كما ترى؛ لأن قوله:{يَدْخُلِ} فعل في سياق النفي وهو من صيغ العموم، كما أوضحنا مرارًا، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود:
ونحو لا شربت أو إن شربا ... واتفقوا إن مصدر قد جلبا
فقوله:{وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} في معنى: لا دخول للإيمان في قلوبكم.
والذين قالوا بالثاني قالوا: إن المراد بنفي دخوله نفي كماله. والأول أظهر كما ترى.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{قَالتِ الْأَعْرَابُ} المراد به بعض الأعراب، وقد استظهرنا أنهم منافقون، لدلالة القرآن على ذلك، وهم من جنس الأعراب الذين قال الله فيهم:{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ}، وإنما قلنا إن المراد بعض الأعراب في هذه الآية؛ لأن الله بين في موضع آخر أن منهم من ليس كذلك، وذلك في قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩)}.