صرح جل وعلا في هذه الآية الكريمة بأنه لا يحب كل خوان كفور. والخوان والكفور كلاهما صيغة مبالغة؛ لأن الفعال بالتضعيف والفعول بفتح الفاء من صيغ المبالغة، والمقرر في علم العربية أن نفي المبالغة في الفعل لا يستلزم نفي أصل الفعل، فلو قلت: زيد ليس بقتال للرجال فقد نفيت مبالغته في قتلهم، ولم يستلزم ذلك أنه لم يحصل منه قتل لبعضهم، ولكنه لم يبالغ في القتل. وعلى هذه القاعدة العربية المعروفة فإن الآية قد صرحت بأن الله لا يحب المبالغين في الكفر والمبالغين في الخيانة، ولم تتعرض لمن يتصف بمطلق الخيانة ومطلق الكفر من غير مبالغة فيهما، ولا شك أن الله يبغض الخائن مطلقًا، والكافر مطلقًا، وقد أوضح جل وعلا ذلك في بعض المواضع، فقال في الخائن: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (٥٨)} وقال في الكافر: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (٣٢)}.
متعلق (أذن) محذوف في هذه الآية الكريمة، أي: أذن لهم في القتال بدليل قوله: (يقاتلون) وقد صرح جل وعلا في هذه الآية الكريمة؛ أنه أذن للذين يقاتلون، وهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ودل قوله: يقاتلون على أن المراد من يصلح للقتال منهم دون من لا يصلح له، كالأعمى، والأعرج، والمريض، والضعيف، والعاجز عن السفر للجهاد لفقره بدليل قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ