وقوله:{بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} الباء فيه سببية، وهي من حروف التعليل، كما تقرر في مسلك النص الظاهر من مسالك العلة.
وهذه الآية هي أول آية نزلت في الجهاد كما قال به جماعات من العلماء، وليس فيها من أحكام الجهاد إلَّا مجرد الإِذن لهم فيه ولكن قد جاءت آيات أخر دالة على أحكام أخر زائدة على مطلق الإِذن، فهي مبينة عدم الاقتصار على الإِذن كما هو ظاهر هذه الآية. وقد قالت جماعة من أهل العلم: إن الله تبارك وتعالى لعظم حكمته في التشريع إذا أراد أن يشرع أمرًا شاقًا على النفوس كان تشريعه له على سبيل التدريج؛ لأن إلزامه بغتة في وقت واحد من غير تدريج فيه مشقة عظيمة على الذين كلفوا به. قالوا فمن ذلك الجهاد، فإنه أمر شاق على النفوس؛ لما فيه من تعريضها لأسباب الموت؛ لأن القتال مع العدو الكافر القوي من أعظم أسباب الموت عادة وإن كان الأجل محدودًا عند الله تعالى، كما قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} وقد بين تعالى مشقة إيجاب الجهاد عليهم بقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} ومع تعريض النفوس فيه لأعظم أسباب الموت، فإنه ينفق فيه المال أيضًا، كما قال تعالى:{وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} قالوا: ولما كان الجهاد فيه هذا من المشقة، وأراد الله تشريعه شرعه تدريجًا، فأذن فيه أولًا من غير