للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إيجاب بقوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} الآية. ثم لما استأنست به نفوسهم بسبب الإِذن فيه أوجب عليهم قتال من قاتلهم دون من لم يقاتلهم بقوله: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} الآية. وهذا تدريج من الإِذن إلى نوع خاص من الإِيجاب، ثم لما استأنست نفوسهم بإيجابه في الجملة أوجبه عليهم إيجابًا عامًا جازمًا في آيات من كتابه، كقوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} وقوله: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} إلى غير ذلك من الآيات.

واعلم أن لبعض أهل العلم في بعض الآيات التي ذكرنا أقوالًا غير ما ذكرنا، ولكن هذا التدريج الذي ذكرنا دل عليه استقراء القرآن في تشريع الأحكام الشاقة، ونظيره شرب الخمر، فإن تركه شاق على من اعتاده، فلما أراد الله أن يحرم الخمر حرمها تدريجًا، فذكر أولًا بعض معائبها، كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} ثم لما استأنست نفوسهم بأن في الخمر إثمًا أكثر مما فيها من النفع حرمها عليهم في أوقات الصلاة بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} الآية. فكانوا بعد نزولها لا يشربونها إلَّا في وقت يزول فيه السكر قبل وقت الصلاة، وذلك بعد صلاة العشاء وبعد صلاة الصبح؛ لأن ما بين العشاء والصبح يصحو فيه السكران عادة. وكذلك ما بين الصبح والظهر. وهذا تدريج من عيبها إلى تحريمها في بعض الأوقات، فلما استأنست نفوسهم لتحريمها حرمها