عليهم تحريمًا عامًا جازمًا بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠)} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١)} وكذلك للصوم، فإنه لما كان الإِمساك عن شهوة الفرج والبطن شاقًا على النفوس، وأراد تعالى تشريعه شرعه تدريجًا فخير أولًا بين صوم اليوم وإطعام المسكين في قوله:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} فلما استأنست النفوس به في الجملة، أوجبه أيضًا إيجابًا عامًا جازمًا بقوله:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} الآية. وقال بعض أهل العلم: التدريج في تشريع الصوم على ثلاثة مراحل كما قبله قالوا: أوجب عليهم أولًا صومًا خفيفًا لا مشقة فيه، وهو صوم يوم عاشوراء، وثلاثة من كل شهر، ثم لما أراد فرض صوم رمضان شرعه تدريجًا على المرحلتين اللتين ذكرناهما آنفًا. هكذا قالته جماعات من أهل العلم، وله اتجاه. والعلم عند الله تعالى.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)} يشير إلى معنيين:
أحدهما: فيه الإِشارة إلى وعده للنبي وأصحابه بالنصر على أعدائهم، كما قال قبله قريبًا {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}.
والمعنى الثاني: أن الله قادر على أن ينصر المسلمين على الكافرين من غير قتال؛ لقدرته على إهلاكهم بما شاء، ونصرة المسلمين عليهم بإهلاكه إياهم، ولكنه شرع الجهاد لحكم، منها: اختبار الصادق في إيمانه، وغير الصادق فيه، ومنها: تسهيل نيل فضل الشهادة في سبيل الله بقتل الكفار لشهداء المسلمين، ولولا ذلك لما حصل أحد فضل الشهادة في سبيل الله. كما أشار تعالى إلى